يتقدم فريق البحث في التراث السوسي ببالغ الشكر والتقدير لجميع الهيئات المسهمة في تنظيم الندوة العلمية الناجحة على كل المستويات وخاصة المجلس البلدي لمدينة تزنيت والمجلس القروي للركادة بأولاد جرار

الأربعاء، 12 مايو 2010

تقرير الندوة..



















الجلسة الافتتاحية للندوة ( تصوير: لحسن بايا)
احتضنت قاعة المحاضرات بدار الثقافة بمدينة تزنيت يومي الجمعة والسبت 22 – 23 جمادى الأولى 1431 موافق 7-8 ماي 2010 ندوة علمية في موضوع الأدب المغربي بالجنوب في القرن 14 للهجرة نظمها فريق البحث في التراث السوسي بتعاون مع المجلس البلدي لمدينة تزنيت والمجلس القروي للركادة أولاد جرار تكريما للأستاذ الدكتور عباس الجراري، ووفاء وعرفانا لجهوده في خدمة الأدب المغربي عموما وأدب الجنوب خصوصا دراسة وبحثا وتاطيرا للأطاريح والرسائل الجامعية.
وقد افتتحت أعمال الندوة عشية الجمعة بجلسة افتتاحية تحدث فيها على التوالي كل من رئيس المجلس البلدي لمدينة تزنيت ورئيس المجلس القروي للركادة بأولاد جرار ونائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير والكاتب العام لجمعية علماء سوس ومنسق فريق البحث في التراث السوسي، وقد أجمعت الكلمات على التنويه بموضوع الندوة وضرورة الاهتمام بالتراث الجهوي ودراسته والعناية به لكونه أساس التنمية المستقبلية وعماد سياسة الجهوية الموسعة التي نادى بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، كما نوه المتحدثون بمبادرة تكريم الأستاذ الدكتور عباس الجراري من قبل طلبته بمنطقة سوس والجنوب عموما، لما في ذلك من تقدير لجهوده التي ما فتيء يبذلها منذ أربعة عقود في مجال تأسيس الدرس الأدبي المغربي بالجامعة المغربية ونشر الاهتمام بالتراث المغربي جمعا وتحقيقا ودراسة، وإخراج الأدب المغربي من غياهب النسيان وجعله في مصاف الآداب العربية والإسلامية والعالمية بما يزخر به من روائع النثر والشعر ونفائس التأليف والتحبير، وقد أنتج هذه الاهتمام بالأدب المغربي عند الدكتور عباس الجراري ظهور مدرسة أدبية علمية بحثية بالمغرب عنيت بإخراج تراث الوطن على أساس منهج الجهوية أو الإقليمية المعتمد في الدراسة على عمل كل فئة من الباحثين من أبناء المغرب في مناطقهم، بجمع الآثار ودراستها، فتجتمع من تلك الدراسات مادة أولية تصلح للاعتماد عليها لكتابة تاريخ أدبي مغربي جامع وشامل يعطي لكل منطقة دورها الحقيقي في الإسهام في  ازدهار الفكر المغربي وتطوره. كما نوه المشاركون بحضور حرم الدكتور الجراري هذه الندوة مكبرين دعمها الدائم لزوجها ووقوفها إلى جانبه في كل مشاغله العملية والعلمية مؤدية بصدق دور المرأة المغربية المربية المكونة والمخرجة للأجيال.
طائفة من السادة العلماء والأعيان المتابعين للندوة ( تص: لحسن بايا)
كما أجمع المشاركون على شكر الهيئات المنظمة لهذه الندوة العلمية خاصة فريق البحث في التراث السوسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير والمجلس البلدي لمدينة تزنيت والمجلس القروي للركادة بأولاد جرار، معتبرين تنظيم هذه الندوة تجليا لتعاون مختلف الجهات من مؤسسات أكاديمية ومجالس جماعية وسلطات محلية ومنظمات المجتمع المدني في العناية بالشأن الثقافي والعلمي وتطويره.
أما في مجال الشهادات فقد تناول الكلمة الأستاذ الحسين وكاك رئيس المجلس العلمي المحلي والكاتب العام لجمعية علماء سوس متحدثا عن الدكتور عباس الجراري وعن خصاله وفضله وما عرف به بين أصدقائه ومحبيه من جدية في العمل وتفان في البحث وصدق في القصد وغزارة في الكتابة والتأليف، مما بوأه المكانة العالية التي تسنمها في مجال الثقافة والفكر بالمغرب، وهذا كله أهله ليختاره جلالة الملك محمد السادس ليكون من صفوة مستشاريه.
ثم تحدث الأستاذ صالح أزوكاي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، عن أستاذه الدكتور الجراري مبرزا ما عرف به المحتفى به بين الأساتذة والطلبة من جدية وأخلاق عالية، جعلته يتمتع باحترام الجميع، كما ركز على جمع الأستاذ الجراري بين العلم والعمل والأخلاق النبيلة، مبرزا أن هذا النموذج الذي يمثله الأستاذ هو ما نحتاجه في حياتنا المعاصرة لنحافظ على قيمنا وثوابتنا وأصالتنا، وننفتح على معطيات الحياة المعاصرة بلا تحلل أو تحجر.
ثم تحدث الأستاذ عبد الكريم شعوري الذي استرجع في كلمته ذكرياته إبان دراسته بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس بين يدي الأستاذ المحتفى به، وطبيعة العلاقة المتميزة التي كانت تربطه بأستاذه، والتي تجاوزت علاقة الطالب بالأستاذ لتصبح علاقة الأب بابنه رعاية وحدبا ومتابعة، كما نوه بشخصية الأستاذ الجراري من حيث انشغاله بالبحث في الأدب المغربي والثقافة المغربية الإسلامية عربية كانت أو أمازيغية مشيرا إلى كونه من أوائل من شجعوا الطلبة على البحث في الأدب والثقافة الأمازيغيين وأشرفوا على بحوثهم في سنوات الستين.
وقد ختمت الجلسة الافتتاحية بكلمة للأستاذ المحتفى به الدكتور عباس الجراري، نوه فيها بهذه الندوة وموضوعها المتعلق بأدب الجنوب معتبرا أن هذا الأدب خاصة أدب منطقة سوس التي تعد تزنيت - المحتضنة لهذه الندوة - من حواضرها العامرة، كان دائما في صلب اهتمامه، وأمام ناظريه وهو ينظر للأدب المغربي ويضع أسس دراسته العلمية بالجامعة المغربية، وذكر أن سبب ذلك ما تميز به أدب الجنوب عموما من محافظته على أصالته مع تجدده وانفتاحه على الحياة المعاصرة، وعدم تأثره بالانحرافات التي شهدها الأدب العربي بالمغرب وغيره من الأقطار.
كما نوه الدكتور عباس الجراري بتكريمه معبرا عن تأثره البالغ لما لقيه من حفاوة وتقدير من جميع الجهات المنظمة والسلطات المحلية والمؤسسات العلمية بالإقليم، مشيرا إلى أن لهذا التكريم خصوصية ترتبط بكون إقليم تزنيت ومنطقة أولاد جرار أصل أسرته الجرارية، ومنطلق أجداده إلى مختلف مناطق المغرب، قبل أن يستقروا بمراكش والرباط وفاس ..شاكرا الجميع على حسن الاستقبال وكريم الحفاوة والاحتفاء.
وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية انتقل جميع المشاركين لافتتاح المعرض المقام بالمناسبة والذي ضم منشورات النادي الجراري ومنشورات فريق البحث في التراث السوسي، ونماذج لأطاريح ورسائل جامعية حول الأدب بالجنوب المغربي أشرف عليها الدكتور عباس الجراري، إضافة إلى منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير ومنشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما أقيم بالمناسبة حفل شاي على شرف المشاركين والمدعوين.
جانب من المعرض المنظم بمناسبة الندوة
الدكتور الجراري يطلع على وثائق دار إيليغ التي عرضها الأستاذ البخاري بودميعة

( تص: لحسن بايا)
بعد ذلك استؤنفت أعمال الندوة بالجلسة العلمية الأولى التي كان محورها "الدكتور عباس الجراري" وقد ترأسها الأستاذ أحمد بومزكو من مركز تكوين المعلمين بمدينة تزنيت، وتناول فيها الكلمة كل من:
* الأستاذ عبد القادر رحو الباحث بأولاد جرار في موضوع: " أولاد جرار التاريخ والمجال " متحدثا عن تاريخ المنطقة وظروف استقرار قبيلة أولاد جرار بالمنطقة وعلاقاتها بالقبائل المجاورة، مشيرا إلى أعلامها في الرئاسة والعلم والصلاح، كما تحدث عن طبيعة المنطقة الجغرافية ووسائل العيش المتاحة بها خاصة أنها منطقة خصبة نبعت منها عين أولاد جرار التي دعمت بمياهها الأنشطة الزراعية للمنطقة، مستخلصا سمة الغنى التي تميزت بها قبيلة أولاد جرار من النواحي الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والدينية.

* أما الأستاذ أحمد كروم عضو فريق البحث في التراث السوسي فقد تحدث عن " الدكتور عباس الجراري سيرة علمية حافلة بالعطاء" مبرزا خصوصيات نشأت الأستاذ المحتفى به في أسرة علمية مشهور بالرئاسة والصلاح، وما كان والده يخصه به من رعاية وإشراف على تعليمه حتى تخرج بالمغرب ثم انتقل إلى مصر حيث تابع دراسته الجامعية محصلا شهادتي الماجستير ثم دكتوراه الدولة، كما تتبع الباحث نشاط الدكتور عباس الجراري عند عودته إلى المغرب مفضلا العمل التعليمي في الجامعة على المهام الديبلوماسية التي استهل بها حياته العملية.، ثم استعرض أهم مراحل حياته العلمية والت مازالت مستمرة العطاء والإبداع، مشيرا إلى أن الدكتور عباس الجراري يعد من قمم البحث العلمي ليس على صعيد المغرب فحسب ولكن في البلاد العربية والإسلامية وهذا ما جعله مكرما داخل وطنه وخارج، تقديرا لأعماله وبروره بتراث بلده وثقافته وفكره، ثم استخلص الباحث أن       مراحل السيرة الذاتية للدكتور عباس الجراري، تشكل مصدرا هاما في التاريخ المغربي العام، وتستحق الوقوف عند محطاتها المختلفة لما تحمله من أبعاد اجتماعية و ثقافية، وخصوصيات في العادات والأخلاق. لذلك حظيت بكتابات المهتمين في مؤلفات ومقالات كثيرة، وبحوث جامعية عديدة ركزت على الجوانب العلمية التي تميز شخصية العلامة الجراري ودرها الرائد في النبوغ الثقافي.
أما الأستاذ الحسين أفا عميد كلية الشريعة بأكادير وعضو فريق البحث في التراث السوسي، فقد تحدث عن علاقة أدباء منطقة سوس بالنادي الجراري من خلال موضوعه:" أدباء سوسيون في النادي الجراري." مبرزا العلاقة الوطيدة التي كانت لأدباء سوس منذ القديم بالعلامة عبد الله الجراري مؤسس النادي من الذين كانوا يحضرون جلساته ويغنونها بإنشاداتهم وإبداعاتهم ومناقشاتهم من أمثال محمد المختار السوسي والحسن البونعماني وعبد الرحمان البوزكارني ومحمد بن عبد الله الروداني كوثر..وغيرهم، ثم توالي هذه الصلات وتوطدها في عهد الدكتور عباس الجراري باتصال علاقاته بتلامذته ومحبيه من منطقة سوس من أمثال عبد الله درقاوي رحمه الله ومحمد خليل وعمر أفا وعمر أمارير واليزيد الراضي وأحمد أبو القاسم وعمر بزهار والمهدي السعيدي وعبد الله عاطفي التتكي ..وغيرهم، مشيرا إلى نتائج هذا التواصل الأدبي والعلمي.
أما الأستاذ مصطفى طوبي عضو فريق البحث في التراث السوسي، فقد تناول بالدراسة والتحليل موضوع: " صورة الأستاذ عباس الجراري في الأدب العربي السوسي" متحدثا عن: " شخصية عباس الجراري من خلال الشعر العربي السوسي، بهدف عرض صورة عباس الجراري باعتباره فاعلا مميزا في تاريخ الأدب العربي والمغربي بوجه خاص، وتبين ملامح الأدب السوسي الذي لا يقل ثراء وجمالا عما سواه من الآداب .. ويقرر الباحث أنه إذا كان الأستاذ عباس الجراري قد أوقف زمن الأدب المغربي، وأدار نحوه مسار الشعر، وجيش في كينونته الثقافية قرائح الشعراء بما حصل له من أثر بالغ في الأدب المغربي، وما يرتبط به من نقد، ودراسة ،وجمع ..فإن الكتابة في شخصيته قد اتسعت لتشمل الشعراء العرب والسوسيين على حد سواء ،وربما انغمس الشاعر في فضاء سوس من منطلق وجوده بين السوسيين ،واكتسابه عاداتهم وأخلاقهم وسلوكهم في التبليغ والقول،  وقد ارتبط الباحث بالأدب السوسي الذي يدرأ العرق، وينفتح على أعراف الكتابة وسلوكاتها في سوس ..وقد تفتقت قرائح الشعراء السوسيين في هذه الشخصية العلمية المتميزة، فأرخوا لوجودهم بأشعار معانقة لتوهج الأدب ،على النحو الذي نجد فيه شعراء آخرين قد أدلوا بدلوهم في هذا الباب من المغرب، والجزائر ،وموريتانيا، والإمارات العربية ،وبلدان أخرى ..حتى إن البعض قد فكر في جمع هذا العطاء الأدبي في مجموع خاص يؤرخ لعلاقة أدبية مفحمة يكون فيها المريدون شعراء مفلقين، والشيخ هو القارئ النموذجي الأول لأشعارهم النافذة والصادقة ..
    وقد ركز الباحث على استكشاف شخصية عباس الجراري الأديب، والناقد ،وعميد الأدب المغربي ،من خلال منهج يسلك الأدب في خانته المستقلة ويضع المجتمع في خانة موازية ..ويرى الباحث أنه لو لم يكن من شعراء سوس إلا اليزيد الراضي لكفانا في هذا الباب لما له من غزارة في هذا القول وحصانة في التبليغ..وهكذا صبت مشاركة العرض في مهيعين متكاملين ؛المهيع الأدبي الصميم ،ويقابله أفق أدبي يبحث عن مميزات الأدب السوسي ،ويتعقب ملامحه الجوهرية وصولاته الخاصة ..والمهيع الاجتماعي، ويقابله أفق اجتماعي ، وفيه تنور عباس الجراري المنمذج أي الشخصية المبنية في الشعر السوسي عبر المحاكاة الصادقة لشخصية واقعية لها أياد لا تعد في خدمة الأدب المغربي، وخدمة الطلبة والباحثين، وملء مكتبة كانت إلى حد قريب تشكو من نقص في التأليف الأكاديمي."
ثم ختم الباحث عرضه بقصيدة على منوال القصائد المدروسة نوه فيها بخصال الأستاذ المحتفى به.


وفي اليوم الثاني للندوة وهو يوم السبت23 جمادى الأولى 1431 موافق  8 ماي 2010 تواصلت أشغال الندوة بالجلسة العلمية الثانية برئاسة الأستاذ الأستاذ الحسين أفا،  في محور الدراسات الجامعية والشعر العربي الفصيح، تداول فيه الكلمة كل من السادة الأساتذة:
* الأستاذ محمد خليل رئيس المكتب الإقليمي في المغرب لرابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات مولاي رشيد بالدار البيضاء،  في موضوع: " الأدب السوسي في الدراسات الجامعية." حيث قام بتدوين لائحة البحوث الجامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا والدكتوراه بنوعيها: دكتوراه الدولة، والدكتوراه الوطنية، التي أنجزها باحثون سوسيون تحت إشراف عميد الأدب المغربي، الأستاذ الدكتور عباس الجراري. سواء كانت هذه البحوث تتناول الأدب العربي في سوس أو في خارجه، أو تدرس الأدب الأمازيغي، مستعرضا مجالات البحث التي تطرقت إليه والمادة الأدبية التي تعاملت معها، والإضافات التي قدمتها في مجال البحث الجامعي، وأهميتها في الإحاطة بالتاريخ الأدبي لمنطقة سوس خاصة وللمغرب عامة، كما عمل الباحث على  بيان دور الأستاذ المحتفى به في الإشراف على الأبحاث الجامعية حول الأدب السوسي مقارنة مع باقي الأستاذة، مستنتجا أهمية دور الأستاذ الجراري في الكشف عن كنوز الأدب السوسي، وضرورة استمرار البحث على المنهج الذي اشتغل به حتى يتم اكتشاف ما تبقى من النصوص والآثار وتحقيقها ودراستها وطبعها ونشرها بين الناس لتكون مادة ثقافية معتمدة في بناء الرؤى والتصورات لمجتمع مغربي يحافظ على أصالته وقيمه الثابتة الأصيلة وينفتح على الواقع والمستقبل بكل ثبات وأمان.
* أما الأستاذ اليزيد الراضي رئيس المجلس العلمي لمدينة تارودانت وعضو فريق البحث في التراث السوسي فقد تناول موضوع:" الشعر العربي بسوس في القرن الرابع عشر للهجرة. " مشيرا إلى أهم ما ميز هذا الشعر سواء من حيث كثرة الشعراء المتخرجين في غالبه من المدارس العلمية العتيقة أو من تطورات بسبب ما شهده القرن الرابع عشر للهجرة من تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية، أثرت على الإبداع ودفعت الشعراء السوسيين إلى التعامل مع التيارات الأدبية الوافدة، بحذر وانصراف تارة أو انفتاح ذكي تارة أخرى ، فحافظوا على أصالتهم المبنية على سلامة اللغة واحترام مقاييس الإجادة الشعرية، والإبداع في التصوير الفني، مع الارتباط مع واقعهم فعبروا عن همومهم الخاصة وعن المشاغل الاجتماعية والوطنية لأمتهم، كما تميزوا بالانفتاح على شعراء المغرب والبلاد العربية فساجلوهم وتبادلوا معهم كؤوس السحر الحلال، مما أغنى تجاربهم وخبراتهم في تعاطي الإبداع، وفتح أمامهم باب التعارف فاعتنى النقاد بأشعارهم وعرفوا بهم وأعجبوا بشعرهم ونوهوا به في الكتابات والمؤلفات والأندية الأدبية، فكان القرن 14 للهجرة عهدا جديدا للشعر السوسي اغتنت فيه مضامينه وتعمقت في تناول الأغراض الذاتية والاجتماعية والوطنية، كما تنوعت الصيغ الفنية وتطورت بفعل التفاعل مع الآداب الحديثة الوافدة من الشرق والغرب.
* ثم تناول الكلمة الأستاذ النعمة ماء العينين علي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، في موضوع: " الشعر العربي في الصحراء في القرن الرابع عشر للهجرة" فحلل التوجهات العامة لشعراء الصحراء المغربية في المرحلة المدروسة، والمضامين التي تعرضوا لها، والتي ارتكزت على المشاغل الفردية من ناحية والهموم الجماعية للأمة والوطن خاصة ما تعلق منها بسيطرة الاستعمار على المغرب ونهضة المغاربة لمدافعته ومقاومته، وما واكب ذلك من إبداع شعري تغنى ببطولات المقاومين ورافق حملاتهم ومجد انتصاراتهم في مناطق الصحراء وسوس، كما أبرز الباحث طبيعة الصيغ الفنية التي استغلها الشعراء في التعبير والتي تنحو نحو استلهام التراث لإغناء التجارب الإبداعية، والحفاظ على مقومات الشعر الأصيل المتمثلة في متانة النسج وقوة اللغة ودقة التصوير، كما أشار الباحث إلى انفتاح شعراء الصحراء على شعراء المغرب، وتجلى ذلك في دوام الاتصال والمراسلة والتساجل، مما جعل شعراء الصحراء معروفين في مختلف حواضر المغرب ينظر إليهم أدباؤها ومثقفوها نظرة إعجاب وإكبار.
بعد هذه الجلسة عقدت الجلسة العلمية الثالثة في محور: " الأنواع النثرية في القرن 14 للهجرة." برئاسة الأستاذ صالح أزوكاي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، وقد تناول الكلمة كل من السادة الأساتذة:
* الأستاذ أحمد أبو القاسم من ثانوية الحسن الثاني بتزنيت، في موضوع: "المقالة في الجنوب المغربي،خلال النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري" فبدأ بتحديد جنس المقالة وشروط الإبداع فيه، ثم تتبع نشأته بالجنوب المغربي من خلال كتابات الرواد الأوائل في عهد الحماية حينما نشروا مقالاتهم بجريدة السعادة على وجه الخصوص مثل الحسن البونعماني والباشا البيضاوي الشنكيطي .. وغيرهم، ثم تتبع تطور الكتابات في الجرائد والمجلات الوطنية بعد الاستقلال، مشيرا إلى ما تميزت به المقالات من حيث الموضوعات التي عالجتها أو الأساليب والصيغ الفنية التي عبرت بها، متعرضا لما شهده فن المقالة عموما من تحولات وتطورات خلال الحقبة المدروسة كانت تجليا للتحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية التي عاشها المغرب خلال هذا القرن، مركزا على وجه الخصوص على تجربة رائدة تجلت في مجلة " الكلمة " التي أصدرتها جمعية علماء سوس في أوائل العقد الأخير من القرن 14 للهجرة بمدينة أكادير، واحتضنت مقالات كثير من كتاب سوس، معالجة ما كان يشغلهم من قضايا وإشكالات اجتماعية وفقهية وثقافية .
أما الأستاذ عمر بزهار من ثانوية البقالي بأيت ملول فقد تحدث في موضوع: " الأشكال الإبداعية في السيرة الذاتية بسوس في القرن 14 هـ." متعرضا لظهور هذا النوع النثري لدى الأدباء السوسيين والأشكال التي تجلى فيها خاصة المذكرات مثل مذكرات محمد بن أحمد المانوزي ومذكرات محمد المختار السوسي إبان نفيه بإلغ وهي الموسومة بالإلغيات ومذكراته في منفاه بتافيلالت بعنوان "معتقل الصحراء" أو في المجاميع مثل كتاب "سر الصباح" لأحمد أبناو أو "الفهرس العلمي" و"الفهرس العملي" لرشيد المصلوت...وغيرها، كما ركز الباحث على مضامين هذه السيرة في تعرضها لتجارب كتابها وخبراتهم الحياتية في مجال التعلّم ثم في حياتهم العملية بمختلف الوظائف التي شغلوها وعلاقاتهم بأقرانهم ومعارفهم وبما عاشوه إبان مرحلة الاستعمار من محن خاصة الذين انبروا منهم للقاومة ومناهضة الاحتلال الفرنسي للمغرب، فكانت سيرهم كما ذكر الباحث تجليا للتحولات التي شهدها المغرب في القرن الرابع عشر سواء في ما حملته من مضامين وما انشغل به كتابها من تصورات وأفكار، أو في الأسلوب الذي حررت به والمتميز بالمزج بين النثر والشعر والانشغال بالقضايا العلمية الشرعية والمسائل الفكرية والثقافية والأدبية المختلفة.
أما الأستاذ المهدي بن محمد السعيدي عضو فريق البحث في التراث السوسي فتناول موضوع:" تحولات المضمون والنوع في الكتابة الترسلية بسوس في القرن 14 للهجرة " متحدثا فيه عن حيثيات ظهور أدب الرسائل بسوس منذ القديم وتطوره حتى العصور الحديثة مشيرا إلى نبوغ السوسيين في الكتابة والتحرير منذ تلقنوا اللغة العربية وأحبوها وعبروا بها، كما أشار إلى خصوصية الرسائل من حيث كونها جنسا نثريا كتب ليتداول في مجال ضيق بين مرسل ومتلق، ولم يكتب في الأصل ليتداول بين الناس، مما يجعله تعبيرا صادقا عن هموم الناس ومشاعرهم ومشاكلهم. كما أبرز الباحث مرور أدب الرسائل– في القرن الرابع عشر للهجرة – بمجموعة من التحولات كان الداعي إليها ما شهده المغرب من احتلال أجنبي أدى إلى انفتاح المغرب على الغرب بعد أن نهج لقرون سياسة الاحتراز منه ومن فكره وثقافته، وكان لهذا الانفتاح أثره على الحياة الاجتماعية والفكرية، كما وفدت على المغرب المؤثرات الشرقية، فوصلته أصداء التجديد الفكري والثقافي والأدبي من مصر والشام، وتأثر أدباء المغرب وسوس خاصة بكل ذلك، من حيث المضامين المعالجة في رسائلهم والتي كانت غما صوفية أو علمية شرعية أو اجتماعية أو أدبية، أو من حيث الصيغ الفنية إذ استبدل كثير من المترسلين السوسيين الأسلوب الجديد المرسل بالأسلوب القديم المحلى بأساليب البيان والبلاغة. وقد ختم الباحث عرضه بالإشارة إلى تحديات التقنيات الجديدة التي تهدد الرسالة في وجودها، إذ صار الناس معتمدين كلية على الاتصالات الهاتفية المتاحة في كل وقت وحين وعلى التخاطب الآني المباشر، أو غير الآني بواسطة البريد الإلكتروني.. مما حد من استعمال الرسائل وتداولها بين الناس.
ثم تحدث الأستاذ محمد الحاتمي منسق فريق البحث في التراث السوسي في موضوع: " تطور الكتابة الرحلية في الجنوب المغربي." معرفا بأدب الرحلة في الجنوب وحيثيات ظهوره وتطوره، وتعدد أنماطه السياحية والحجية والعلمية، ثم انتقل للحديث عن المتن الرحلي في القرن 14 للهجرة في الجنوب محللا النماذج التي اختارها مثل رحلة الهاشمي الناصري إلى باريس، ورحلة محمد بن أبي بكر الأزاريفي إلى السوادين، مبرزا جديد هذه الرحلات وما تميزت به من تطورات وتحولات شملت جانب المضامين بتطرقها لموضوعات جديدة لم يألف الرحالة الأقدمون التعرض لها، مثل وصف البلدان وحدودها وأوقات الرحلات واستعمال أنواع المقاييس الحديثة الأوربية المصدر، مثل قياس المسافات والزمان والأوزان، أو جانب الصياغة الفنية بكثرة الدخيل في المعجم المستعمل مثل الكلمات المعبرة عن ألفاظ الحضارة والأدوات والآنية خاصة في زيارة الناصري إلى فرنسا.. وقد خلص الباحث إلى أن هذه الرحلات تمثل التحولات التي تعرض لها المجتمع المغربي نتيجة احتكاكه بالغرب الأوربي وتأثره بمظاهر الحضارية الغربية في التصورات الفكرية أو أنماط الحياة والمعيشة اليومية، ومحاولة الكتاب المغاربة والسوسيين خصوصا المواءمة بين الحفاظ على الذات الثقافية والاستفادة من ثقافة الآخر دون الانصهار فيها.


وفي المساء تواصلت أشغال الندوة بالجلسة العلمية الرابعة والتي كانت في محور الأدب الشعبي برئاسة الأستاذ الطيب عمري، من ثانوية المسيرة بتزنيت وقد بدأت الجلسة بعرض الأستاذ سالم الغزالي من أكاديمية التربية والتكوين بأكادير، بعنوان: " قراءة في مجموع حكائي سوسي " تناول فيه بالدراسة والتحليل متنا حكائيا شعبيا مركزا على استجلاء المضامين التي تناولها خاصة المضامين الاجتماعية التي تمثل مشاغل الناس وهمومهم الفردية والجماعية، مبرزا تأثر الحكاية الشعبية بالتحولات الاجتماعية التي شهدها المغرب في مرحلة الاستعمار ثم مرحلة الاستقلال.
ثم تحدث الأستاذ محمد أبيدار من ثانوية الوحدة بتزنيت عن " الشعر الأمازيغي السوسي في القرن 14 للهجرة" من خلال مرحلتين هما: مرحلة الاحتلال والحماية ومرحلة الاستقلال،  متعرضا لأهم الأحداث والقضايا التي تعرض لها هذا الشعر خاصة زحف الاحتلال على المغرب للاستيلاء عليه في المرحلة الأولى، وما واجهه به المغاربة من مقاومة شديدة وتفان في الدفاع عن وطنهم،  وقد مثل الباحث لهذه القضايا بنماذج من شعر الروايس أمثال الحاج بلعيد والحسين جانتي و الحسن بومارك بن حمو و بوبكر أزعري و ابن زيدا الطاطي .. وغيرهم مستخلصا ما تميز به شعر هؤلاء من أبعاد شخصية ووطنية وقومية وحكمية، كما تعرض الباحث للسمات الفنية المميزة لشعر الروايس في هذه المرحلة من الناحية البلاغية  والإيقاعية. ثم تعرض لشعر الروايس في المرحلة الثانية من أمثال عمر واهروش وأحمد أمنتاك والحاج محمد الدمسيري وسعيد أشتوك .. وغيرهم وعدهم من شعراء الجيل الثاني، ملخصا ما شغلهم من قضايا عهد الاستقلال والتحرر أو القضايا الذاتية من غزل ووصف وغير ذلك ثم انتقل إلى شعراء الجيل الثالث من أمثال بيهتي ومبارك أيسار وفاطمة تباعمرانت ومجموعة أيت ماتن .. وغيرهم ممن طوروا أساليب جديدة في التعبير والإبداع عن القضايا الاجتماعية والعلاقات الإنسانية وما لحقها من تحول وتغير، وتفننوا في استغلال الموروث الفني وتطويره بلاغة وإيقاع، وخلص الباحث في الأخير إلى أن القصيدة الأمازيغية الشلحية بمنطقة سوس حافظت على المقومات الفنية التي أرصى دعائمها الرواد الأوائل، الذين كانوا بمثابة شيوخ الفن الشعري الأمازيغي الشلحي بهذه البقاع كما لوحظ تطور في طريقة الأداء الفني عند أصحاب الجيل الغنائي الجديد، مع توظيفهم لأشكال تعبيرية حديثة أحيوا من خلالها التراث الغنائي السوسي الشلحي القديم.
أما الأستاذ طالب بويا العتيك، مدير مركز الدراسات الحسانية بالعيون فقد قدم بحثا بعنوان: " الأدب الحساني: رصد لأهم تحولات المرحلة" تناول فيه سمات الأدب الحساني عامة والمضامين التي عالجها، ثم تطوره في القرن الرابع عشر للهجرة متتبعا تطوره في مرحلتي الاستعمار والاستقلال، مشيرا إلى ما ميز المرحلة الأولى من مضامين وطنية إسلامية تركز على مواجهة المستعمر والدفاع عن الوطن والإلتفاف حول الملك وانتهاز الفرصة في العدو لرده على أعقابه، ومن الناحية الفنية اختار الشعراء المقامات المناسبة لروح الحماسة والاندفاع خاصة مقام "أمْرَيْمِيدا". كما تعرض الباحث لتطور الأدب الحساني في المرحلة الثانية عهد الاستقلال مبرزا رجوع الشعراء إلى هدوئهم وسكونهم، خاصة بعد استرجاع الصحراء المغربية، فعالجوا الموضوعات الذاتية والاجتماعية، كما شهدت المرحلة انتباه الدارسين والباحثين إلى هذا الأدب لجمعه وتحقيقه ونشره، بعد أن ضاع متن مهم منه، بفعل موت الرواة والحفظة، فعملت الجمعيات وطلبة الجامعات على العناية به وصيانته، مع ما شهدته المرحلة الخيرة من ظهور طائفة من المتكسبين بالشعر الذين اتسموا بمحدودية الخيال وتقلص الأغراض والصناعة الفنية.
ثم جاء دور الأستاذ محمد خطابي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير ليخص موضوعه بالتراث الشعبي في منطقة درعة من خلال موضوعه: " بعض مظاهر التنوع الثقافي في ورزازات"  حيث اختار أن يكون حديثه من خلال ثلاثة مظاهر تميز المجال الجغرافي الذي تحدث عنه، وهي: أحواش ورزازات. وأحيدوس أمكون، وفن الركبة في درا (درعة) متسائلا عن إمكانية اختزال مختلف مظاهر التنوع الثقافي في هذه الأضرب الثلاثة، لا غير؟ وإن كانت هذه الأنواع تتجاوز مجالاتها إلى ما يجاورها؟  وقد عمل الباحث على الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال تتبع هذه الأشكال التي ذكرها معرفا إياها أولا وملمحا إلى سمات كل فن على حدة وإلى المجالات الجغرافية التي ينتشر بها، وما يمثله هذا الانتشار من خصائص اجتماعية وتاريخية، مركزا على وجه الخصوص على التمازج الحاصل بين مختلف الفنون بسبب التمازج السكاني الذي شهدته المنطقة، بناء على انفتاح كل مكون على باقي المكونات واستفادته منها في تطوير سماته الفنية وخصائصه المضمونية، وقد خلص الباحث إلى أهمية دراسة التراث الثقافي لكونه خزانا لفكر المجتمع وقيمه ولتطوره التاريخي، وسجلا للتحولات الثقافية التي شهدها المجتمع المغربي في تمازج مكوناته المختلفة عبر تنازلات متبادلة أدت في النهاية إلى صياغة تصور موحد لأساليب التعايش والتعاون والتفاهم.


وفي تمام الساعة الخامسة مساء بدأت أعمال الجلسة الختامية التي تضمنت كلمة فريق البحث في التراث السوسي ألقاها منسق الفريق الأستاذ محمد الحاتمي ركز فيها على التنويه بتنظيم هذه الندوة  وشكر جميع الجهات المنظمة  خاصة عامل صاحب الجلالة على إقليم تزنيت الذي حرص على حضور أعمال الندوة وتتبع مجرياتها، والمجلس البلدي لمدينة تزنيت في شخص رئيسه الأستاذ عبد اللطيف أعمو والمجلس القروي للركادة بأولاد جرار في شخص رئيسه ابن السايح، كما شكر طاقم دار الثقافة مديرة وفنيين وأعوان على تعاونهم وتجندهم لإنجاح أعمال الندوة وجميع الأساتذة المشاركين ببحوثهم والجهات المشاركة في المعرض المقام بالمناسبة، وفي هذه الأثناء تقدم الشاعر طالب بويا لعتيك بقصيدة من الشعر الحساني ضمنها مشاعر شعراء الصحراء نحو الأستاذ الجراري،  ثم قدم الأستاذ محمد الحاتمي تقريرا تركيبيا مجملا لأعمال الندوة وما طرح فيها من أفكار وما توصلت إليه من نتائج.






ثم قدمت مجموعة من الهدايا والتذكارات للأستاذ الدكتور عباس الجراري من المجلس البلدي لمدينة تزنيت وجمعية علماء سوس وفريق البحث في التراث السوسي، تولى تقديمها على التوالي السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم تزنيت والسيد رئيس المجلس الإقليمي لمدينة تزنيت والسيد رئيس المجلس البلدي والسيد الكاتب العام لجمعية علماء سوس والسيد رئيس المجلس العلمي المحلي لتارودانت.


بعد هذا تناول الأستاذ الدكتور عباس الجراري الكلمة معبرا عن سروره بالحضور إلى مدينة تزنيت وسعادته بمتابعة أعمال هذه الندوة وبحوثها القيمة، وشكره العميم لجميع الحاضرين من سلطات محلية ومجالس جماعية وهيئات علمية على ما احاطوه به من كريم العناية والترحيب، مؤكدا أن أمثال هذه الندوات تبرز تمسك المغاربة بأصالتهم وبتراثهم وعملهم على دراسته والاستفادة منهن كما دعا الباحثين إلى مزيد الانكباب على التراث والثقافة تحقيقا ودراسة.
ثم بعد هذه الكلمة تليت برقية الولاء والإخلاص المرفوعة إلى مقام جلالة الملك محمد السادس، تلاها الأستاذ أحمد بومزكو نيابة عن رئيس المجلس البلدي لمدينة تزنيت، ثم ختم المجلس بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين حفظه الله.

وفي يوم الأحد 23 جمادى الأولى 1431 موافق 9 ماي 2010 نظمت اللجنة المشرفة على الندوة للمشاركين وعلى رأسهم الأستاذ عباس الجراري وحرمه والأساتذة الباحثون والشعراء رحلة إلى منطقة أولاد جرار بدأت بالوقوف على مقبرة البير التي دفنت بها كبار أعلام القبيلة من علماء والرؤساء منذ عدة قرون، كما وقف الزائرون على قبر سيدي بونخيلة الذي يعد من أسلاف القبيلة الأقدمين المعروفين بالصلاح وتلو الفاتحة ترحما على روحه وعلى أوراح جميع الراقدين إلى جواره في تلك المقبرة الكبيرة.

ثم انتقل الزائرون إلى دار الطالب بالركادة حيث خصص لهم استقبال حافل من طرف أبناء القبيلة وأطر الجماعة القروية والجمعيات المحلية وأعيان المنطقة ومثقفيها، وألقيت كلمات الترحيب وأقيم حفل شاي على شرف الحاضرين امتنانا لزيارتهم وتعبيرا عن السرور والفرح للقائهم وقد قام الزائرون قبل ذلك بزيارة مختلف أقسام دار الطالب من مراقد وقاعات للمراجعة ومكتبة ومرافق أخرى بينت مقدار الجهد المبذول من المشرفين ومنظمات المجتمع المدني في تطوير ظروف إقامة التلاميذ والنزلاء لتمكينهم من متابعة دراستهم.


بعد ذلك انتقل الزوار إلى قرية العوينة حيث رياض القائد عياد الذي استقبلهم بالأهازيج الشعبية وفنون التراث الغنائي المحلي من خلال فرقتي أحواش وكناوة، وبعد استقرار الزوار قدم طعام الغذاء الذي تجلى فيه كرم أبناء القبيلة وحسن ضيافتهم وبالغ فرحهم بزيارة الدكتور الجراري.


ثم بعد تناول كؤوس الشاي ألقيت الكلمات الترحيبية من قبل رئيس المجلس القروي للركادة ابن السايح الذي دعا أبناء قبيلة اولاد جرار من رجال أعمال ومثقفين وأعيان إلى خلق إطار جمعوي يمكنهم من التعاون وتنمية منطقتهم والسعي إلى ما فيه خيرها، كما تحدث بعض أعيان القبيلة خاصة الأستاذ عبد الرحمان مصدق الذي نوه باسم أبناء القبيلة بزيارة الوفد وبقدوم الدكتور عباس الجراري ابن القبيلة البار الذي تعد زيارته فرصة جديدة لصلة الرحم وتمتين العلاقات مع أبناء أعمامه بالمنطقة.


كما ألقيت قصائد شعرية بالمناسبة شارك بها كل من الأستاذ الدكتور اليزيد الراضي والشاعر أحمد حميتي والشاعر الناشئة فاطمة معتصم، تغنت كلها بهذه المناسبة السعيدة وهذا المحفل الفكري الاجتماعي الأخوي، ونص قصيدة الأستاذ الراضي:





لله دركــــــــــــم بنــــــــي جـــــرار***** فزتم بما ترجون مــــــن أوطــــار
أثلجتم صدر العـــــلا بـمواقــــــــف ***** تدعو إلى الإعجــاب  و الإكبـــــار
أنتم – و حقكم – بناة المجد بالــــــــ ***** ـإفـضـال و الإحسان و الإيـثـــــار
رسم الجدود أمامكم سبل العــــــــلا ***** فسموتم لمنـــــــازل الأخيــــــــار
و قفوتم السلف الكريم و صنـــــتم   ***** عهد الوفا لمبادئ الأبـــــــــــرار
و أفضتم كرمــــــا يقـــــل نظيـــره *****  بين الورى في هذه  الأعصـــــــار
و جلوتم الأبصار و الأسماع بالـــــ ***** ـرقص الجميل و رائع الأشعـــــار
لو كان "عياد" على قيد الحيـــــــــا ***** ة لجال في روض الندى المعطـار
و وجدتموه مفتحا لريـــــاضـــــــــه ***** و مرحبــا  بمعــاشـــر الـــــزوار
و لقال للعباس : هذا مــربعـــــــــي ***** يلقى عــلاك بغايــــة  استبشــــار
كم ذا يود أن تزور رحابـــــــــــــه *****  ليظل في عــز و فـــي  استقـــرار
فعليكم مني و من وفــــد الوفـــــا  *****  أغلى التحايـــا يا بــــــني جــــرار



وبعد ذلك قدمت للدكتور الجراري ولحرمه الأستاذة حميدة الصايغ في جو من مشاعر السرور والفرح بعض الهدايا التقديرية الرمزية التي أراد أبناء قبيلة أولاد جرار أن يعبروا من خلالها على محبتهم وتقديرهم لابن عمومتهم تمثلت في خنجر من الفضة الخالصة ولوحات تشكيلية وحلي فضية، كما قدمت إلى الدكتور الجراري هدية رمزية تمثل رجوعه إلى أصله وامتلاكه لميراثه الرمزي من أرض القبيلة، وتجلى ذلك كله في تقديم الحاج عبد الله مصدق لمقدار طاسة من سقي عين أولاد جرار (مقدار 12 دقيقة من مياه العين ) كل 22 يوما، إلى الدكتور الجراري إشارة إلى امتلاكه حظه من ماء هذه العين وانتماءه بذلك إلى القبيلة الجرارية السوسية، وتم تسليم وثيقة موقعة له بذلك.
السيد الحاج عبد الله مصدق يقدم للدكتور الجراري وثيقة ملكية نوبة السقي من عين اولاد جرار
بعد هذا تناول الدكتور الجراري الكلمة معبرا عن بالغ شكره لأبناء المنطقة على ترحيبهم وجليل فرحهم بزيارتهن وتأثره الشديد لمشاعر المودة والتقدير التي حظي بها، كما أشار إلى سعادته بحرارة الاستقبال وصدق المحبة الذي شعر به إبان هذه الزيارة مشيدا بجهود أبناء القبيلة في النهوض بالمنطقة مما يستدعي الدعم المادي والمعنوي لهذه الجهود حتى تبلغ قصدها في تنمية حياة الإنسان وتطوير فكره وثقافته.

وفي الختام تقدم الأستاذ الحسين وجاج بالدعاء الصالح للملك محمد السادس نصره الله، ثم تقدم أعيان أولاد جرار لتوديع الزائرين وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور عباس الجراري وحرمه الأستاذة حميدة الصايغ والسيد عامل صاحب الجلالة على إقليم تزنيت والسيد رئيس المجلس الإقليمي والسيد رئيس المجلس البلدي لمدينة تزنيت والسادة الأساتذة الباحثين والرؤساء المصالح الإقليمية.. وغادر الجميع هذه الديار الكريمة المعطاء آملين العودة إليها في مناسبة جديدة تفتح آفاقا واعدة للثقافة والفكر والتنمية البشرية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق